بنفسج

أحلام التميمي: 16 مؤبدًا كسرتها إرادة المقاومة [3]

الإثنين 24 فبراير

أحلام التميمي
أحلام التميمي

في الجزء الثالث من سلسلة مذكرات أحلام التميمي، وفيها التركيز على تجربتها الاعتقالية إذ حكمت ب 16 مؤبدًا، بعد مشاركتها في عمليات عسكرية دكت الاحتلال في عقر داره، عن الاعتقال والتحقيق والتعذيب وتفاصيل أخرى في هذا الجزء.

 أحلام التميمي: لم أكون أتوقع الاعتقال 

عن تفاصيل يوم  الاعقتال تتحدث الأسيرة المحررة أحلام التميمي.jpg

في 11 آب/ أغسطس، أي بعد يومين من العملية الاستشهادية، أحسّت الوالدة بتعبٍ، واصفرّ جسمها وعيناها، وكانت كتائب عزّ الدّين القسّام قد أخبرتنا بضرورة توخّي الحذر والانتباه، وكنت أنا ملتزمة البقاء بالبيت، لكن مرض الوالدة هزّني، فالوالدة اصفرّت بشكل مفاجئ ولم أكن أعلم ما الّذي حصل لها، أخذتها إلى المستشفى، وهناك تمّ إجراء الفحوصات اللّازمة لها، وقد تبيّن أنّها مصابة بمرض السّرطان، فأدخلتها مستشفى رام الله.

عندما دخلت أمّي الستشفى أبلغت الحركة بأنّني حاليًّا سأتفرغ للاهتمام بأمّي، ولن أتركها بأيّ شكل من الأشكال حتّى وإن كان هناك عمليّة، فأريدها أن تُتوفّى وهي راضية عني، فأنا كنت البنت الصّغيرة الموجودة معها، أمّا أخوتي غير متفرّغين؛ لأنّ لديهم التزامات.

توفيت والدتي بعد خمسة عشر يومًا من دخولها إلى المستشفى، وكان ذلك في 1 أيلول/ سبتمبر، وكان ذلك التّاريخ موعد لامتحاناتي في الجامعة. أقمنا لأمّي بيت عزاء، وأذكر أنّه في اليوم الثّاني للعزاء علمت اعتقال محمد دغلس، وعبد الله دغلس الذي لم يكن معنا في الكتائب، لكنّهم اعتقلوه بحجة أنّه من أولاد عمومه، كما اعتقلوا عددّا آخر من أبناء أعمامه.


اقرأ أيضًا: أحلام التميمي: الطفلة التي تحلم بفلسطين [1]


لقد كنت بين نارين، وفاة الوالدة واعتقال محمّد، وأنا كنت مغيّبة عن الأمر؛ لأنّه في الفترة الّتي كانت فيها الوالدة في المستشفى لم يكن هناك تواصل بيني وبينهم، ورحت أتساءل حول السّبب الّذي حدا بهم لاعتقاله، وبمجرّد أنّني علمت باعتقاله شعرت بالصّدمة بشكل كبير.

لم أكن أتوّقع أن يتمّ اعتقالي، ولست جاهزة لها؛ لأنّني أريد تنفيذ ست عمليّات، على الأقل يكون مخزوني كبير من العمليّات. وفي 14 أيلول/ سبتمبر كان اعتقالي، وقد اقتُحم بيت والدي، فقد حضرت قوّة كبيرة، مؤلّفة من جيبات عسكريّة بحسب رواية الأهل، واقتحموا البيت عند السّاعة الثّانية ليلًا. كنت نائمة حينها، وكان الاقتحامُ همجيًّا، فقد ذهبوا إلى بيت أختي، وأتوا بابن أختي، وطرق الباب، وطلب منّي أن أفتح له الباب، ففتحته، ثمّ هجمت قوة كبيرة على البيت، وانتشرت فيه. والدي رجل كبير في السّن، في أواخر السّبعين، وعندما رأى ما حصل انهار، فلم يكن متوقعًا ما حصل، فأنا لم أُشعر أحدًا بأنّني أسير بهذا الخط نهائيًّا، ولم يلاحظ أحد أنّني في كتائب القسّام، فقد كانوا مستبعدين هذا الأمر.

ألقوني في "الجيب" ورموني على أرضه، أنا في الأرض، وهم يجلسون على الكراسي. كنت تحت أرجلهم. وصلنا إلى مركز التّحقيق في المسكوبيّة في قرية النّبي صالح، وهو مركز تحقيق وتوقيف. دخلت هذا المركز، ومباشرة بدأوا التّحقيق معي. استمرّ التّحقيق معي ثلاث وأربعين يومًا، والتّحقيق معي كان في زنازين تحت الأرض. خلال التّحقيق تخلّوا عن أيّ شيء يتطابق مع المشاعر الإنسانيّة والحياة الإنسانيّة.

عرّضوني لتفتيش عارٍ سيّئ جدًا داخل البيت، فقد كانت برفقتهم مجنّدة، وكان المجنّدون على مقربة منّي، ولم يسمحوا لي بأخذ أي شيء معي، علمًا أنّه في القانون الدّولي يُسمح للمعتقل أن يأخذ ثيابًا للنّوم وبعض الأغراض. قيّدوا يديّ ورجليّ بالحديد والبلاستيك مع بعض، وعصّبوا عينيّ بعصبة قويّة، وصاروا يضحكون، وكأنّهم منتصرين باعتقالي.

ألقوني في "الجيب" ورموني على أرضه، أنا في الأرض، وهم يجلسون على الكراسي. كنت تحت أرجلهم. وصلنا إلى مركز التّحقيق في المسكوبيّة في قرية النّبي صالح، وهو مركز تحقيق وتوقيف. دخلت هذا المركز، ومباشرة بدأوا التّحقيق معي. استمرّ التّحقيق معي ثلاث وأربعين يومًا، والتّحقيق معي كان في زنازين تحت الأرض. خلال التّحقيق تخلّوا عن أيّ شيء يتطابق مع المشاعر الإنسانيّة والحياة الإنسانيّة.

 مرحلة التحقيق والتعذيب الجسدي والنفسي 

التعذيب الجسدي الذي تعرضت له الأسيرة المحررة أحلام التميمي.jpg

في التعذيب الجسدي عمدوا إلى ضرب رأسي بالحائط لأكثر من مرّة، ولأكثر من مرّة أجلسوني على كرسيٍّ مثل كراسي الأطفال، هي كراسٍ من حديد، وأقل جلسة من جلسات التّحقيق كانت تستمرّ لمدّة ستّ ساعات، ثمّ ينقلونني إلى الزّنزانة لمدّة خمس دقائق إذا كنت أريد أن أقضيَ حاجة، أو يحضرون لي وجبة الأكل، أو أن أصلي.

خمسة دقائق فقط أقضيها في الزّنزانة، ومن ثمّ يكبّلون يديّ من جديد، ويأخذونني إلى غرفة التّحقيق من جديد. يجلسونني كرسي أطفال من حديد، مقيّدة اليدين والرجلين. ضربوني أكثر من مرّة على رأسي، هدّدوني بالاعتداء عليّ. قابلوني بمحمد دغلس، وكانوا قد اعتقلوا سابقًا محمد، وفهمت بأنّه كان قد اعترف عليّ في أثناء التّعذيب. لم يعترف محمّد عليّ بإرادته، فقد تمّ تعذيبه بشكل كبير، ومحمّد قد تعرّض للإصابة برصاصة في الانتفاضة الأولى، كما أُصيب في انتفاضة الأقصى في أحد مصارينه، وفي ظلّ هذه الظّروف يتمّ التّحقيق معه.


اقرأ أيضًا: المحرر علي الرجبي: 18 مؤبدًا كٌسرت بإرادة غزة ومقاومتها


كانوا يتعمّدون إذلالي، يشتمونني بشكل دائم، ويسخرون منّي، ويقولون لي ستشيخين داخل السّجن، لن تتزوّجي، لا أبوك ولا أمّك، فقد لعبوا على وتر والدتي بشكل كبير، وأنا ضعيفة أمام الوالدة للآن. فراقها جدًّا صعب علي. أبلغوني بأنّ والدي مات، مع أنّه لم يمت، أبلغوني بأنّهم هدموا بيتنا، وكذا لم يكونوا قد فعلوا، أبلغوني بأنّهم رحّلوا أخي إلى الأردن، وكان ذلك كذبًا، وهذا من قبيل التّعذيب النّفسيّ. هذا الكلام هزّني من الدّاخل، وجعلني أتوتّر، لكنّي في الوقت نفسه قلت:" لقد قلت ما لديّ، وانتهت فترة التّحقيق".

 محاكمات وقضاة لثلاث سنوات متتالية 

أحلام التميمي تتحدث عن تجربة الاعتقال والتحقيق.jpg

حوّلت إلى المحكمة، وصرت أحضر جلسات المحكمة، وتهم عمليّات القتل كان يحضرها ثلاثة قضاة. لثلاث سنوات متتالية وأنا أحضر جلسات المحكمة. لم يكن يُسمح لأيّ شخص من أفراد عائلتي بزيارتي، وقد كنت قد كلبت من المحامي أن أرى أهلي حتّى ولو في المحكمة، فوالدي رجل كبير في السّنّ. كان من المهمّ أن أرى والدي حتّى لو لم أمسك يده.

استمرت المحكمة كل تلك المدّة، وأذكر أنّه خلال إحدى جلسات المحكمة شتموني، فالسّجّانة الّتي كانت تمسكني كانت أقصر منّي، وأقل منّي حجمًا، فقد كنت أضخم منها بكثير، ومن كثرة ما شدّتني وضايقتني قمت بضربها، فعوقبت على فعلتي، وحُكمت بالسّجن لستّة أشهر، وبغرامة قيمتها خمسة آلااف شيكل. فيصير حكمي ستّة عشر مؤبّدًا، وستّة شهور وخمسة آلاف شيكل. القتلى كان عددهم خمسة عشر صهيونيًّا، لكن المبّد السّادس عشر كان عن عزّ الدّين، فقد اعتبروه بريئًا، وأنا من دفعته للاستشهاد، يعني أنا من قمت بقتله. عند صدور الحكم، قلت للقاضي: "وهل يهمّك أمر عز الدّين؟".

قال: "طبعًا، عزّ الدّين شابٌّ بسيط وجيّد. أنت القاتلة الأولى، وأنت مسؤولة عن هذه العمليّة". المدّعي العام، قال لي:" أتمنّى أن تحترقي أنت بالنّار"، وصار جدل حول هذا الموضوع، وحصلت جلبة في المحكمة، فقد كان أهالي القتلى موجودين في المحكمة، فهجموا عليّ يقتلونني، وكادت قاعة المحكمة تتحوّل إلى ساحة حرب، وأتذكّر حينا أنّهم رموني على الأرض، وتجرّحت يديّ، فقدوأذكرفقد شدّوني من الكلبشات ورموني في "كرفان من حديد" للتّوقيف في المحكمة؛ حتّى لا تحصل جريمة بحقّي من قبل الأهالي في قاعة العدل.

عشر سنوات من الاعتقال انقضت 

تفاصيل محاكمة أحلام التميمي.jpg

ألقوا بي على أرضه، لم أكن أستطيع التّحرّك، لكنّي أتذكّر بأنّه كان كلّ سجّان يأتي ويفتح الباب، وبصق عليّ، ويخرج. كنت أضحك، فأكثر شيء كان يغيظهم أنّني كنت دائمًا أضحك، وللآن أنا مبتسمة، وهذا معروف عنّي. لحظة النّطق بالحكم، كان فيها تحدٍ كبير، وأذكر أنّني تحديّته عبر جملتي المعروفة حاليًا "السّجن غير باقٍ، سيبقى لكم، ونحن سنتحرّر، وهذه السّجون ستبقى لكم، وتذكّر كلامي هذا، وغدًا سنتحاسب. سأكون في الجنّة، وسأراك وأنت تحترق".

وُضعت عزل جماعي وعزل انفراديّ. بقيت في السّجن لمدّة عشر سنوات ونصف، وخلال تلك المدّة تمّ عزّلي عدّة مرّات، ضُربت عدّة مرّات، كما تمّ إفراغ عبوات من سائل الغاز المسيل للدّموع في فمي وشربته، جرجرت على الأرض. وجودي داخل السّجن برغم كلّ المآسي، كان بالنّسبة لنا نحن الأسيرات وحدة حال واحدة، فقد كان لنا نظامنا في الرّياضة، النّاحية الفكريّة، كنّا نقرأ الكتب، الصّحف، تعلّمنا اللّغة العبريّة، أخنا دورات في أحكام التّجويد المبتدئ والمتوسط والمتقدّم، وقد حصلت على شهادة من الأوقاف بالتّجويد. بعض الأسيرات من أراضي 48 تابعن تعليمهن في الجامعات.


اقرأ أيضًا: محمد أبو وردة: حرية وإبعاد ولقاءات مؤجلة


كان عددنا نحن الأسيرات اللّاتي قمنا بعمليّات خمسة، وانحكمنا بالمؤبّدات، لكنّنا كنّا ماية وخمسين أسيرة. ، كنت أؤدي في السجن دور المصلحة الاجتماعيّة. والمربية الاجتماعيّة. بلحظة أكون أمّ، وبلحظة أخرى صديقة، بلحظة أخت، فأنا في النّهاية إنسانة عندي مشاعري، لكن في السّجن يجب أن تعيش لغيرك. الطّعام كان يطبخه مساجين وسجينات يهود، مسجونون ومسجونات على خلفيّات جنائيّة، على خلفيّة دعارة، قتل، سطو مسلّح. الأكل في أغلبه كان يأتينا فيه أعقاب سجائر، فيه شعر، فيه محارم، نادرًا ما كان الطّعام نظيفًا. نحن كنا نعترض، ندخل في اضرابات عن الطّعام.

لقد كان لنزار أثر كثير كبير في تثبيت حقوقنا داخل السّجن، كما كان أسرى حركة حماس يساعدوننا جدًا في كيفيّة تنظيم حياتنا لناحية القراءة، حتّى إنّنا نحن أسيرات الحركة كان لنا نظام داخليّ داخل السّجون، فقد كان يأتيني عبرهم كيفيّة ترتيب هذا النّظام. خضنا هذه التّجربة بصعوبة، فأذكر أنّه من عام 2001 حتّى عام 2003 كانت مرحلة حرب مع مصلحة السّجون؛ لأنّنا نريد تثبيت حقوقنا.

كان هذا السّلاح الوحيد الّذي نحن نفوق فيه البنات. حاولوا تغييبنا، بمعنى أنّه لم يكن لدينا خبرة في الحياة الاعتقالية، لكن عبر المحامين استطعنا إثبات حقوقنا، فأنا مثلًا، ساعدني نزار بهذا الأمر بحكم تواصلي معه، وكان عن طريق المحامي، يخبرني بحقّنا في الطّعام، وحقوق أخرى، كما يرشدني على ما يجب أن أقوم به، كما أنّ تواصلي مع الأخوة في حركة حماس من الأسرى الموجودين وعدد من المحامين الّذين كانوا يزوروننا. في السّجن عرفت صفة الحياة الحركيّة، صرت ممثلة حركة حماس في السّجون، وصرت أعرف كيف يجب أن أتعامل مع الأخوات، وكيف يجب أن أستغلّ وقتي.

لقد كان لنزار أثر كثير كبير في تثبيت حقوقنا داخل السّجن، كما كان أسرى حركة حماس يساعدوننا جدًا في كيفيّة تنظيم حياتنا لناحية القراءة، حتّى إنّنا نحن أسيرات الحركة كان لنا نظام داخليّ داخل السّجون، فقد كان يأتيني عبرهم كيفيّة ترتيب هذا النّظام. خضنا هذه التّجربة بصعوبة، فأذكر أنّه من عام 2001 حتّى عام 2003 كانت مرحلة حرب مع مصلحة السّجون؛ لأنّنا نريد تثبيت حقوقنا. دخلنا في عدة اضطرابات، فزادوا لنا كميّة الأكل بشكل بسيط، وكذلك الملابس، فقد كانوا يمنعون علينا دخول الملابس، ولاحقًا، حصلت اقتحامات للسّجون. فمصلحة السّجون تقتحم السّجون في أيّ وقت تريده عندما يكون عندها شكّ بأيّ أمر، فمثلًا، إن كانت لدينا أشياء مهرّبة يشكّون في وجودها يقتحمون ساعة يشاءون، أو عندنا سلاح أبيض مثلًا.